فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (33):

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
والسر الذي بينه في هذه الآية في إمهالهم هو أنه ما منعه من الإسراع في إجابة دعائهم كما فعل في وقعة بدر إلا إجلال مقامه صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم فقال: {وما كان الله} أي مع ما له من صفات الكمال والعظمة والجلال، وأكد النفي بقوله: {ليعذبهم} أي ليجدد لهم ذلك في وقت من الأوقات {وأنت} أي يا أكرم الخلق {فيهم} فإنه لعين:
تجازي ألف عين وتكرم

ولما بين بركة وجوده، أتبعه ما يخلفه صلى الله عليه وسلم إذا غاب في العباد من العذاب فقال: {وما كان الله} أي الذي له الكمال كله {معذبهم} أي مثبتًا وصف تعذيبهم بحيث يدوم {وهم يستغفرون} أي يطلبون الغفران بالدعاء أو يوجدون هذا اللفظ فيقولون: أستغفر الله، فإن لفظه وإن كان خبرًا فهو دعاء وطلب، فوجوده صلى الله عليه وسلم في قوم أبلغ من نفي العذاب عنهم، وهذا الكلام ندب لهم إلى الاستغفار وتعليم لما يدفع العذاب عنهم كما تقول: ما كنت لأضربك وأنت تطيعني، أي فأطعني- نبه عليه الإمام أبو جعفر النحاس، وفي ذلك حث عظيم لمن صار صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم من المسلمين صادقهم ومنافقهم على الرغبة في مواصلته والرهبة من مفارقته، وتعريف لهم بما لهم في حلول ذاته المشرقة في ساحتهم من جليل النعمة ترغيبًا في المحبة لطول عمره والاستمساك بعزره في نهيه وأمره إذ المراد- والله أعلم- بالاستغفار طلب المغفرة بشرطه من الإيمان والطاعة، وعن أبي موسى الأشعري- رضى الله عنهم- أنه كان في هذه الأمة أمانان، أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى، وأما الاستغفار فهو كائن فيكم إلى يوم القيامة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن تقرير وجه الجواب أن الكفار لما بالغوا وقالوا: اللهم إن كان محمد محقًا فأمطر علينا حجارة من السماء، ذكر تعالى أن محمدًا وإن كان محقًا في قوله إلا أنه مع ذلك لا يمطر الحجارة على أعدائه، وعلى منكري نبوته، لسببين: الأول: أن محمدًا عليه الصلاة والسلام ما دام يكون حاضرًا معهم، فإنه تعالى لا يفعل بهم ذلك تعظيمًا له، وهذا أيضًا عادة الله مع جميع الأنبياء المتقدمين، فإنه لم يعذب أهل قرية إلا بعد أن يخرج رسولهم منها، كما كان في حق هود وصالح ولوط.
فإن قيل: لما كان حضوره فيهم مانعًا من نزول العذاب عليهم، فكيف قال: {قاتلوهم يُعَذّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة: 14].
قلنا: المراد من الأول عذاب الاستئصال، ومن الثاني: العذاب الحاصل بالمحاربة والمقاتلة.
والسبب الثاني: قوله: {وَمَا كَانَ الله مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وفي تفسيره وجوه: الأول: وما كان الله معذب هؤلاء الكفار وفيهم مؤمنون يستغفرون، فاللفظ وإن كان عامًا إلا أن المراد بعضهم كما يقال: قتل أهل المحلة رجلًا، وأقدم أهل البلدة الفلانية على الفساد، والمراد بعضهم.
الثاني: وما كان الله معذب هؤلاء الكفار، وفي علم الله أنه يكون لهم أولاد يؤمنون بالله ويستغفرونه، فوصفوا بصفة أولادهم وذراريهم.
الثالث: قال قتادة والسدي: {وَمَا كَانَ الله مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أي لو استغفروا لم يعذبوا، فكان المطلوب من ذكر هذا الكلام استدعاء الاستغفار منهم.
أي لو اشتغلوا بالاستغفار لما عذبهم الله.
ولهذا ذهب بعضهم إلى أن الاستغفار هاهنا بمعنى الإسلام والمعنى: أنه كان معهم قوم كان في علم الله أن يسلموا.
منهم أبو سفيان بن حرب.
وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب.
والحرث بن هشام.
وحكيم بن حزام.
وعدد كثير، والمعنى {وَمَا كَانَ الله مُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} مع أن في علم الله أن فيهم من يؤل أمره إلى الإيمان.
قال أهل المعاني: دلت هذه الآية على أن الاستغفار أمان وسلامة من العذاب.
قال ابن عباس: كان فيهم أمانان نبي الله والاستغفار، أما النبي فقد مضى، وأما الاستغفار فهو باق إلى يوم القيامة. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}
وكان ذلك القول من النضر حين كان النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، فأخبر الله تعالى أنه لا يعذبهم وأنت بين ظهرانيهم، حتى يخرجك عنهم كما أخرج الأنبياء قبلك عن قومهم ثم عذبهم.
ثم قال عز وجل: {وَمَا كَانَ الله مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، يعني يصلّون لله الخمس وهم أهل الإيمان؛ وقال مجاهد: وهم يستغفرون يعني وهم مسلمون؛ ويقال: وفيهم من يؤول مرة إلى الإسلام؛ ويقال: وهم يستغفرون يعني وفي أصلابهم من يسلم.
وروي عن أبي موسى الأشعري أنه قال: كان أمانان في الأرض، رفع الله أحدهما وبقي الآخر {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} {وَمَا كَانَ الله مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وقال عطية: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}، يعني المشركين حتى يخرجك منهم.
{وَمَا كَانَ الله مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، يعني المؤمنين. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}
اختلفوا في معنى هذه الآية فقال محمد بن إسحاق بن يسار: هذه حكاية عن المشركين، إنهم قالوها وهي متصلة بالآية الأُولى، وقيل: إن المشركين كانوا يقولون: والله إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفر ولا يعذب أُمة ونبيّها معهم، وذلك من قولهم ورسول الله بين أظهرهم، فقال الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم يذكر له جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على أنفسهم إذ قالوا: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ} وقالوا: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}، {وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} ثمّ قال ردّا عليهم: {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ الله} وإن كنت بين أظهرهم أن كانوا يستغفرون {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام}.
وقال آخرون: هذا كلام مستأنف وهو قول الله تعالى حكاية عن نفسه ثمّ اختلفوا في وجهها وتأويلها:
فقال ابن أبزي وأبو مالك والضحاك: تأويلها: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم مقيم بين أظهرهم.
قالوا: فأنزلت هذه الآية على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بمكّة ثمّ خرج النبيّ من بين أظهرهم.
وبقيت منها بقية من المسلمين يستغفرون. فأنزل الله بعد خروجه عليه حين استغفر أُولئك بها {وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
ثمّ خرج أُولئك البقية من المسلمين من بينهم فعذبوا وأذن الله بفتح مكّة، فهو العذاب الذي وعدهم.
ابن عباس: لم يعذب أُولئك حتّى يخرج النبيّ منها والمؤمنون. قال الله: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} يعني المسلمين فلما خرجوا قال الله: {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ الله} يعذبهم يوم بدر.
وقال بعضهم: هذا الاستغفار راجع إلى المشركين: وما كان الله ليعذب هؤلاء المشركين ما دمتَ فيهم وما داموا يستغفرون. وذلك أنهم كانوا يطوفون بالبيت ويقولون لبيك لبيك لا شريك لك إلاّ شريك هو لك بملكه لو ما ملك، ويقولون غفرانك غفرانك. هذه رواية أبي زميل عن ابن عباس.
وروى ابن معشر عن يزيد بن روحان ومحمد بن قيس قالا: قالت قريش بعضها لبعض: محمد أكرمه الله من بيننا {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السماء}. الآية فلمّا أمسوا ندموا على ما قالوا، فقالوا: غفرانك اللهم. فأنزل الله عزّ وجل: {وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
وقال أبو موسى الأشعري: إنّه كان فيكم أمانًا لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
وأمّا النبيّ صلى الله عليه وسلم فقد مضى وأمّا الاستغفار فهو كائن إلى يوم القيامة.
وقال قتادة وابن عباس وابن يزيد معنى: {وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}: أن لو استغفروا، يقول إن القوم لو كانوا يستغفرون لما عذبوا ولكنهم لم يكونوا استغفروا ولو استغفروا فأقروا بالذنوب لكانوا مؤمنين.
وقال مجاهد وعكرمة: {وهم يستغفرون} أي يسلمون، يقول: لو أسلموا لمّا عُذّبوا.
وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس {وهم يستغفرون} أي وفيهم من سبق له من الله الدخول في الإيمان.
وروى عن ابن عباس ومجاهد والضحاك: وهم يستغفرون أي يصلّون. وقال الحسن: هذه الآية منسوخة بالآية التي تلتها: {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ الله} إلى قوله: {بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} فقاتلوا بمكّة فأصابوا فيها الجوع والخير.
وروى عبد الوهاب عن مجاهد (وهم يستغفرون) أي في أصلابهم من يستغفره. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِم}
يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه قال ذلك إكرامًا لنبيه وتعظيمًا لقدره أن يعذب قومًا هو بينهم. تعظيمًا لحرمته.
والثاني: إرساله فيهم رحمة لهم ونعمة عليهم فلم يجز أن يعذبهم وهو فيهم حتى يستحقوا سلب النعمة بإخراجه عنهم.
{وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: وما كان الله ليعذب مشركي أهل مكة وقد بقي فيهم من المسلمين قوم يستغفرون وهذا قول الضحاك وأبي مالك وعطية.
والثاني: لا يعذبهم في الدنيا وهم يستغفرون فيها فيقولون: غفرانك.
قال ابن عباس: كان المشركون بمكة يطوفون بالبيت ويقولون: لبيك لبيك لا شريك لك، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «قَدْ قَدْ» فيقولون: إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك، ويقولون غفرانك، فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} قاله أبو موسى ويزيد بن رومان ومحمد بن قيس.
والثالث: أن الاستغفار في هذا الموضع الإسلام، ومعنى الكلام: وما كان الله معذبهم وهم يسلمون، قاله عكرمة ومجاهد.
والرابع: وما كان الله معذب من قد سبق له من الله الدخول في الإسلام، قاله ابن عباس.
والخامس: معناه أنهم لو استغفروا لم يعذبوا استدعاء لهم إلى الاستغفار، قاله قتادة والسدي وابن زيد.
والسادس: وما كان الله معذبهم أي مهلكهم وقد علم أن لهم أولاد وذرية يؤمنون ويستغفرون. اهـ.